مرحلة جديدة في حياتك تبدأ وتختلف كثيراً عن المراحل السابقة، فهي تمثل لوحة كبيرة ترسم عليها خريطة حياتك ! فاستعد وابذل قصارى جهدك، وتأني في اختياراتك، وارسم بدقة، فهي الممر الذي ستنطلق منه لحياتك الثالثة : حياتك العملية والمهنية .
هناك الكثير من الأخطاء التي تؤخذ علي كثير من طلاب الجامعات، بعضها لظروف خارجة عن إرادة الطالب، والبعض الآخر بكامل إرادته، لذلك هذه بعض النصائح البسيطة من أخطاء وقعت فيها ! وبالتأكيد وقع فيها الكثير في سنتهم الجامعية الأولي، لعلها تكون معيناً علي التخفيف من حدة هذه الأخطاء واستفحال خطرها .
أولاً : تخلص من عيوبك
تبدأ المرحلة الجامعية ولا ننتبه أننا بحاجة لوقفة لمراجعة أنفسنا، فهذه نقطة تحول في حياتنا، فيجب أن تطرأ بعض التعديلات – تجديدات – علي شخصية كل منا، فالشخصية في الحياة الجامعية مهمة جداً، فسوف تلتقي وتكون صداقات مع طلاب من كل حدب وصوب، أصحاب ثقافات مختلفة عن ثقافتك بشكل جزئي وكلي، بعضهم قد يتفقوا معك ولكن الغالبية العظمي يكونوا مختلفين تماماً، لذلك يجب أن تمتلك شخصية قوية متزنة، فتيارات الغفلة والسوء قوية جداً في الجامعات، وتتمثل في صور كثيرة..
لذلك عليك التعامل بحرص . وأن تطوع شخصيتك بحيث تتكيف علي الحياة الجديدة وتؤدي دورها بشكل أخلاقي فعال وإيجابي، ليس تطويعها بالتقلب وتقمص شخصيات غير شخصيتك، بل جلسة خفيفة تحصي فيها عيوبك التي لا ترضي بها، وتري أنها لن تنفعك في حياتك الجديدة، فتعمل علي التخلص منها، وتري المميزات التي يجب أن تتحلي بها وتعمل علي السعي إلي اكتسابها، ثم ابدأ بتطبيق ذلك علي الفور في حياتك بشكل عام . قم بذلك حتى يتغير كل شيء من أجلك للأحسن .
ثانياً: فكر بشكل صحيح، وغير مفهومك
يبدأ الكثير من الطلاب عامهم الجامعي الأول وفي اعتقادهم أنهم قد خرجوا من معركة الثانوية العامة إلي الجنة الجامعية، وسوف يعوضون كل ما فاتهم نتيجة الحرمان الذي قد فٌرض عليهم في هذه السنة العسيرة ! ، ورغم أنهم يعلمون جيدا أن الدراسة الجامعية أصعب بكثير من المراحل السابقة، لكنهم يأبون تصديق ذلك ويدفعهم هواهم إلي الاستهتار والاستهانة، فيبدأ في نظرهم عصر المظهر اللائق ولفت الأنظار وتكوين العلاقات … وما إلي ذلك !
لا أقول أن هذه الأشياء محظورة إلا ما يخالف منها دين الإسلام الحنيف، ولكن نحن شعب إذا هوينا شيء ولو ضار نصل لقمته ! وهذا هو الخطأ، فاجعل هذه الأشياء في قاع أولوياتك وليست في القمة في حياتك الجامعية، واعلم أن هذه المرحلة هي مرحلة تأسيس تحتاج لتركيز وجهد . كذلك ما إن تبدأ سنتك الأولي عليك محو مفهوم كليات القمة والقاع من ذاكرتك، وتأكد أنك من مكانك مهما كان تستطيع الوصول للقمر ! ، وتستطيع أن تسقط وتتعفن في القاع ! ، كل شيء ممكن فأي شيء ستختار ؟ .
ثالثاً : رغبتي
لم تُخلق لكي تجبر علي فعل شيء تكرهه وفيه ما يخالف صالحك، ولكننا نؤمن جيداً بالتوفيق والنصيب واختيار الله لنا وهو الأفضل وما يلاءم رغباتنا، وكلنا يعلم ما يعانيه الطالب المصري من مخالفة التعليم لتوقعاته وطموحاته الجامعية، ولكن لديك الكثير من الكليات – من أول الطب إلي الحقوق والتجارة إلي المعاهد – وكلها منابر للعلم وكلها توصل لأهداف سامية إن أنت أديت ما عليك بإتقان، وآلاف القصص خير شاهد علي ذلك، ولكي تحقق ذلك عليك أن تحب المكان الذي وصلت إليه، فإن جاءك اختيار تكرهه، ولا أمل في التكيف معه، ومتيقن من أنه لن ينفعك فاختر آخر تحبه ومتأكد من نفعه وتري فيه أهدافك، كما يتماشي مع ظروف واقعك ولكن لا تنسي أن بجهدك يمكنك أن تغير واقعك إلي الأفضل..
ولكن انتبه ! لا تضع في اعتبارك أن تجعل اختيارك هذا مناسباً لهوي الناس إطلاقاً، بذلك تكون قد صرت علي أول طريق نجاحك في حياتك الجديدة، في مكان رغبتك فيه وحبك له يشكلان درعاً يحميك من الضغوطات التي سوف تواجهك : من نظام معقد، ولغة مختلفة في أغلب الكليات، ودكتاتورية هيئة التدريس، والتنافس، وما إلي ذلك ! فيجب أن تكون الرغبة سلاحك ووقودك .
رابعاً : هدفك
” أعشق كليتي وأري نفسي فيمن حققوا أحلامهم فيها “
يجب أن تؤمن بأن هدفك قابل لأن يصبح حقيقة في المكان الذي اخترته مهما كانت التحديات والصعوبات، ولهذا فإن من المهم أن تحدد هدفك من دراستك، ولكي تحدد هدفك تحتاج لأن تجعل رؤيتك واضحة لمستقبلك، رؤية حقيقة مصحوبة بأمل وتفاؤل ومبنية علي فضول وحب وشغف، اسأل نفسك لماذا هذه الكلية بالتحديد ؟ سواء كانت بإرادتك أم لا – من الممكن أن تدخل بغير إرادتك ولكن تتكيف مع فكرة الدراسة بها، وتحقيق أهدافك من خلالها – وما أقصي ما يمكن أن أحققه من خلالها ؟
ابحث عن مصدر شغفك بداخلها، وكن فضوليا واسأل أشخاص حققوا أهدافاً عظيمة منها، واقرأ عن أشخاص أكثر نجاحاً قد وصلوا للقمة من مكانك، ولا تترك للإحباط أو اليأس أو التشتت مكاناً في قلبك، ثم بوقود الحب والشغف اسع خلف هذا الهدف والذي يتربع علي قمة دراسة أعم ثم تخصص تلو تخصص فأحسن الاختيار بناء علي هدفك . وأفضل معين علي تحديد الهدف هو القراءة، فاقرأ كثيراً عن مجال دراستك وعن كل شيء يقابلك ويتاح لك، وافتح آفاق عقلك لاستقبال العلم والمعرفة وسوف يتضح هدفك ورؤيتك في الحياة .
خامساً : الالتزام
اخترت كلية تحبها، أو أحببت المكان الذي توجد فيه ووجدت هدفك وشغفك بداخلها، يأتي هنا دور الالتزام وهو بذل الجهد من أجل الوصول لهدفك، وأداء كل ما يقربك منه بإتقان، وأن تبتعد عن كل ما يبعدك عنه نهائياً . فلكي تحقق هدف التفوق في الدراسة الجامعية، عليك أن تلتزم في حضور محاضراتك، وأن تكتب محاضراتك أول بأول، وأن تفهم المعلومات المقدمة إليك جيداً، وأن تذاكرها أول بأول، ولا تكتفي بذلك بل تطبق عملياً ما درسته، وأن تسجل كل ما تتعلمه سواء داخل مكان دراستك أو خارجه كحصيلة معرفية في المجالات التي تدرسها، ولا تهمل شيء فحتماً ستفيدك طوال سنواتك الدراسية وبعد التخرج، وأن تركز جيداً في امتحاناتك، وأن تبتعد عن الملهيات والمشتتات ولصوص الوقت والجهد ما استطعت، ولكن لا تجعل التزامك يطغي علي استمتاعك والترويح عن نفسك بما لا يضرك أو يلهيك ويبعدك عن دراستك .
سادساً: اقتنص الفرص و نمي مهاراتك واكتسب أخري جديدة
فترة الجامعة من الفترات التي تتميز بفرص لا محدودة، علي رأسها تنمية المهارات واكتساب أخري جديدة، وعلي رأس المهارات تعلم اللغة الإنجليزية بشكل أوسع وأعمق من المراحل السابقة، يتمثل ذلك في غالبية المناهج الدراسية، وفي اهتمام الطلاب الشديد بزيادة رصيدهم من هذه اللغة، سواء داخل الجامعة أو خارجها، لفائدتها في الحياة العملية، فيجب أن تقتنص هذه الفرصة وتعمل علي تطوير مستواك فيها، حتى وإن كنت ستبدأ عامك وأنت لا تفقه فيها شيء وهذا مستحيل !
ولو ، فابدأ من الآن وضعها في قمة أولوياتك بعد هدفك والتزامك بمنهجك، وهناك الكثير من الكورسات المتوفرة علي شبكة الانترنت والتي تقدم المساعدة في إتقانها بشكل ممتاز، كما توجد الكثير من الأنشطة والمسابقات في مجالات متنوعة كالأدب والرياضة والعلوم .. ومجالات كثيرة علي حسب كل جامعة، تنمي مهاراتك وتجد من يشجعك ويدعمك، وأيضاً الصداقات الجديدة والتواصل الفعال والعلاقات الهادفة تعتبر فرص عظيمة تعينك في حياتك الجامعية وما بعدها فلا تضيعها، فالجامعة تعتبر مجتمع تفاعلي ضخم، كما يوجد من الأساتذة من هم أصحاب خبرة وعقل وتواصل جيد مع الطلاب، يمنحوهم الاهتمام والرعاية ويساعدوهم في شغفهم – هم قلة ولكن لهم دور كبير – فلا تضيع فرصاً كتلك . فالجامعة ساحة لتنمية مواهبك وقدراتك وإحداث نقلة نوعية في حياتك بجانب ثقل معرفتك وخبرتك في مجال دراستك، إذا فكرت بطريقة صحيحة وحددت هدفك وبحثت عن شغفك والتزمت بكل ما يقربك منه، فاقتنص الفرص ولا تضيعها .
سابعاً: اقرأ
الأمر الإلهي الأول وأهم نصيحة من النصائح الثماني، فآفاق العقل الواسعة المتفتحة تصل بصاحبها للقمم العالية، فالقراءة مفتاح تغيير شخصيتك للأفضل، وأفضل معين لك علي التفكير السليم، وبالقراءة تجد الشغف وتولَد رغبتك وتقْوي، وبها تستطيع أن تجد هدفك بل وتعينك أيضاً علي السعي من أجل الوصول إليه، وبها تتعلم الالتزام، وبها تختار الفرص وتقتنصها، وبها ينبض ضميرك، وبها تغدو الدراسة الجامعية أسهل مما تكون عليه بترك القراءة، وكذلك حياتك العملية من بعد، وبها تملك العالم بين يديك .
وأعلم أن هناك من سوف يشكو ويقول ولكني لا أحب القراءة ! وأمل بسرعة ! ، فهذا شيء طبيعي وإن لم تشعر به فأنت إنساناً فاقد الإحساس، ولكن إن استسلمت لهذا الشعور ليس بالنسبة للقراءة وحدها فلن تكون إنساناً نهائياً، وهذا الشعور من عيوبه أنه يزين الهروب والكسل كحل لهذا الكره والملل، ولكنه هم يضاف فوق عاتقيك وزيادة للكره والملل، فعليك بكسره وتغيير ردة الفعل هذه للأفضل، فاقرأ ! تُمسك بالكتاب ولا تطيق أن تفتحه ! فكم مرة هربت ؟ ، وماذا استفدت من الهرب ؟ وما الذي زاد عندك ؟ – تعرف الإجابة – ..
الآن لا تهرب وجرب ولكن ابدأ بكتاب تحبه، صفحة ثم صفحتين ثم ثلاثة إلي أن تستغرق في القراءة وإذا مللت فقم وعد في اليوم التالي، 4 … 10 صفحات مللت ؟ أكمل 11 ، 12 .. مللت ؟ قم، وهكذا إلي أن تصبح القراءة جزء من كيانك، فكم مرة وقعت وخفت من المشي وأنت صغير ؟ هل هربت ؟ أم حاولت وأصررت وأبدعت في استخدام عوامل مساعدة لك، وفي النهاية مشيت، فاقرأ .
ثامناً : الضمير النابض
لن تتمكن من تنفيذ هذه النصائح وأي شيء أخر بشكل سليم بين ليلة وضحاها ويشمل ذلك النجاح في دراستك الجامعية، فالأمر يحتاج لأطول من ذلك بكثير، فحياتك اختبار يتمثل في المعرفة ثم التجربة ثم التعلم ثم التجربة … الخ وينتهي الأمر بموتك، وكنتيجة لعدم تيقنك من هذه الحقيقة، تهم بأخذ خطوة للأمام ثم ما تلبث أن يصدك حائط مظلم لا تدرك ماهيته، فتفضل الرجوع علي أن تحاول، ولما ذلك ؟ ! فربما كان الحائط هش وسهل إزالته، فهنا قد أهملت التعلم من تجربتك، وجزعت من فقدان مسعاك من أول الطريق، ولجأت إلي خطأ الهروب وتماديت فيه، فإذا سرت بهذا الأسلوب في حياتك الجامعية فستضل طريقك وسيصيبك التشتت وسوف تهمل دراستك … الخ
هنا يلعب الضمير والذي يعمل بمقتضي الحقيقة السابقة دور هام بأن يمنحك قوة إصرار يديرها عقل مدبر مبدع يتعلم من خطأه ويبتكر طرق جديدة تعيدك للطريق الصحيح، ولا يجعلك تستسلم أو تجزع بما يمنحك من صبر، وهذا الضمير يعمل باستمرار طالما أنت بعيد عن التشتت بأسبابه، والرؤية أمامك واضحة، ولديك ثقة في نفسك، أما إذا اختفت هذه الشروط فلن يكون له وجود، وسوف تستسلم لحالة من الإحباط واليأس والتقلب طوال حياتك وسيظل هناك حائط أسود يمنع عنك طريقك .
انطلق .. وعام دراسي سعيد، ونسأل التوفيق للجميع . أنتظر تعليقاتكم وأتمنى أن تستفيدوا من هذه النصائح ؟ وإن كانت لديك نصيحة أخري ؟ فلا تبخل بها علي غيرك .
مقال بواسطة / محمود طه راجـح – مصـر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق