^^ مشاركة ^^


عالم المعرفة

مدونة جامعة لكل متطلباتك

موضوع التقييد الإحتياطي ميدان التقييد الإحتياطي و التمييز بينه و بين التعرض على مطلب التحفيظ












موضوع التقييد الإحتياطي
ميدان التقييد الإحتياطي و التمييز بينه و بين التعرض على مطلب التحفيظ
محمد بن الحاج السلمي
موثق

      لا يمكن أن تكون موضوع تقييد إحتياطي سوى  الحقوق المتعلقة بالعقارات المحفظة و الناشئة بعض التحفيظ وحدها. وهذا ما يستنتج بكل وضوح  من مقتضيات الفصل 85 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 و الذي أقر مبدأ وجوب إتخاذ التقييد الإحتياطي لفائدة كل من يدعي حقا على عقار محفظ على عكس المشرع الفرنسي لسنة 1905 الذي كانت قد قدمته اللجنة البرلمانية الموازية لمسح الأراضي المذكورة و الذي لم يحظ بتضويت البرلمان ( الفصل 86) حيث توقع إتخاذ التقييد الإحتياطي حتى في مرحلة مسطرة التحفيظ و ذلك للحفاظ على حقوق المتعرضين.
    إلا أن المشرع المغربي و للحفاظ على الحقوق المحتملة الناشئة قبل طلب التحفيظ و المتنازع بشأنها أوجب بمقتضى الفصل 24 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 أن تكون هذه الحقوق موضوع تعرضات على مطلب التحفيظ و نظم لهذه الغاية في نفس الوقت كيفية تقديم و تقبل هذه التعرضات و حدد الآجال التي يجب أن تقدم داخلها و عين الجهات التي تقدم لديها كما حدد سلطات كل من المحافظ على الأملاك العقارية و المحاكم في هذا الإطار و نظم كيفية البث في جوهر هذه التعرضات من طرف هاته المحاكم ... إلى غير ذلك.
      أما بالنسبة للحقوق المكتسبة خلال إجراء مسطرة التحفيظ و غير المتنازع بشأنها فقد  أجب المشرع المغربي إشهارها عملا بمقتضيات الفصلين 83 و 84 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 كما سنرى.
       هذا و حتى نتبين بكل دقة ميدان الإحتياطي يتعين علينا أن نقسم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في المبحث الأول الحقوق المحتملة الناشئة قبل أو خلال جريان مسطرة التحفيظ و في المبحث الثاني نتناول تحديد ميدان التقييد الإحتياطي.
المبحث الأول : الحقوق المحتملة الناشئة قبل أو خلال جريان مسطرة التحفيظ
المطلب الاول : الحقوق المحتملة الناشئة قبل إيداع مطلب التحفيظ
     لقد أعطى المشرع المغربي لأصحاب الحقوق المحتملة الناشئة قبل إيداع مطلب التحفيظ و المتنازع بشأنها إمكانية التدخل في المسطرة و ذلك بتقديم و إقامة تعرض على مطلب تحفيظ العقار المعني من طرف الأشخاص الأتي ذكرهم بصورة خاصة:
1 ـ كل من ينازع و يعارض في وجود حق ملكية طالب التحفيظ و بالتالي كل من يدعي أن العقار المطلوب تحفيظه في ملكيته هو لا في ملكية طالب التحفيظ،
2 ـ كل من ينازع و يعارض في مدى و نطاق حق ملكية طالب التحفيظ كما لو كان الملك المطلوب تحفيظه مشتركا و مملوكا على الشياع بين عدة أشخاص بنسب معينة أو غير معينة و حاول أحدهم أو بعضهم الإنفراد بالعقار و طلب تحفيظه في إسمه وحده دون باقي الشركاء أو حاول تغيير حصص هؤلاء و الإنفراد بحصة أكبر مما يملكها واقعا،
3 ـ كل من ينازع و يعارض في حدود الملك المطلوب تحفيظه كما لو حاول طالب التحفيظ أن يستولي على جزء من أرض جاره فيدخلها ضمن العقار المطلوب تحفيظه،
4 ـ كل من يدعي إكتساب حق عيني على العقار المطلوب تحفيظه كصاحب حق إرتفاق مرور أو صاحب حق سطحية تجاهله طالب التحفيظ ولم يشر إليه في مطلبه.
5 ـ كل من ينازع في حق وقع الإعلان عنه طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 المذكور.
      وهكذا يكون من حق كل الأشخاص المذكورين أعلاه أن يقيموا تعرضاتهم على مطلب التحفيظ صيانة لحقوقهم الناشئة قبل طلب التحفيظ من الضياع و الإهدار خاصة و أن قرار التحفيظ هو قرار نهائي و غير قابل لأي طعن كيفما كان و يطهر الملك من جميع الحقوق السابقة التي لم تظهر ولم تشهر خلال جريان مسطرة التحفيظ.
المطلب الثاني :  الحقوق المكتسبة خلال إجراء مسطرة التحفيظ
    من جهة أخرى أقر المشرع المغربي لأصحاب الحقوق المكتسبة خلال إجراء مسطرة التحفيظ و غير المتنازع بشأنها بإمكانية إشهارها و ذلك عملا بمقتضيات الفصلين 83 و 84 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 و اللذين يمكنان المنتفع من حق من الحقوق النائشة أو المكتسبة أو المغيرة خلال المسطرة أن يستعمل إحدى وسيلتين :
1 ـ إما أن يضع العقود التي تستند عليها هذه الحقوق بملف العقار المطلوب تحفيظه و يطلب نشرها بالجريدة الرسمية عن طريق ما يسمى بالخلاصة الإصلاحية و ذلك لمتابعة مسطرة التحفيظ  في إسمه.
2 ـ و إما أن يضع الرسوم المذكورة بالمطلب المعني بالأمر حيث يسجل هذا الإيداع بسجل التعرضات و حين إتخاذ قرار التحفيظ تقيد هذه الحقوق بالرسم العقاري الذي سيؤسس للملك المعني بالأمر حسب ترتيب تسجيلها بسجل التعرضات و الذي يحدده تاريخ وضع تلك العقود.
      وهذا ما يطلق عليه عبارة ( الإيداع قصد التقييد بالرسم العقاري المزمع تأسيسه).
     هذا و تجدر الإشارة إلى أنه إذا لم يبادر صاحب الحقوق الناشئة أو المكتسبة أو المغيرة خلال المسطرة إلى إيداع العقود التي يستند عليها عملا بمقتضيات الفصلين 83 و 84 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 و ذلك من أجل متابعة مسطرة التحفيظ في إسمه و الإستفادة من التحفيظ أو بقصد التقييد بالرسم العقاري المزمع تأسيسه و قع تحفيظ العقار المعني و تأسيس رسم عقاري خاص به فإن ذلك الشخص سيفقد أولا و قبل كل شيء وحسب الحالات إما إمكانية الإستفادة من التحفيظ و إما رتبة تقييد حقوقه و إمكانية الإحتجاج بها في مواجهة الأغيار بل و سيفقد حتى حقه الشخصي في المطالبة بالتعويض نظرا لخطئه الشخصي و لإنتفاء إمكانية إثبات واقعة التدليس.
    وكيفما كان الحال فإنه إذا عاق المستفيد من أحد الحقوق المنشأة أو المكتسبة أو المغيرة خلال مسطرة التحفيظ عائق حال دون إستعمال  إحدى الوسيلتين المذكورتين كما في الحالات التالية التي ستذكر فيما بعد فإنه و للحفاظ على حقوقه و صيانتها من الضياع و الإهدار لا يستطيع  اللجوء سوى إلى التعرض على مطلب التحفيظ موضحا طبيعة الحق الذي يدعيه و حدوده التي يمارسه في إطارها و مداه و مشتملاته مع إدلائه بكل الوثائق و الحجج  المؤيدة لإعاءاته ومن بينها نسخة من مقال الدعوى المقامة من أجل الإعتراف بحقوقه أو تصحيح ممارسة حق الشفعة أو إبطال العقد الذي يستند إليه طالب التحفيظ في مطلبه و ذلك حتى تؤخذ هذه الدعاوى بعين الإعتبار من طرف المحكمة التي ستنظر في التعرض.
      هذا ومن بين الحالات المشار إليها نجد على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
      *في حالة ما إذا أبرم أحد الأشخاص مع طالب التحفيظ وعدا ببيع العقار المطلوب تحفيظه و إمتنع طالب التحفيظ هذا من تنفيذ الوعد و إتمام إجراءات البيع،
      *في حالة ما إذا كان العقد الذي يستند إليه صاحب أحد الحقوق المذكورة مشوبا بخلل أو عيب في شكل أو الجوهر أو متوقفا على الحصول على رخصة إدارة أو إجازات من لدن باقي شركاء طالب التحفيظ أو على إذن من قاضي المحاجير إذا كان طالب التحفيظ قاصرا أو ناقص أهلية ولم يستطع المعني بالأمر الحصول على ذلك مع إمتناع طالب التحفيظ عن مساعدته.
      *إذا كان الحق المعني بالأمر متوقفا بالضرورة على إعتراف القضاء و الحصول على حكم نهائي بشأنه،
      * إذا كان الأمر يتعلق بدعوى تصحيح ممارسة حق الشفعة أو بدعوى إبطال عقد بيع إستند إليه طالب التحفيظ في مطلبه و يمارسها بائعه.
      * إذا كان العقار المطلوب تحفيظه و الذي تصرف بشأنه طالب التحفيظ محل حجز تحفظي لفائدة الغير .... إلى غير ذلك.
      كما أنه يحق لكل من ينازع في صحة أو نطاق أو مدى أي حق من االحقوق المعلن عنها طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 المذكور أن يتقدم بتعرضه في مواجهة مطلب التحفيظ المعني.
      هذا وتجدر الإشارة إلى أنه بالإظافة إلى ما سبق توضيحه فيما يتعلق بعدم مبادرة صاحب الحقوق الناشئة أو المكتسبة أو المغيرة خلال المسطرة إلى إيداع العقود التي يستند عليها قصد التقييد بالرسم العقاري المزمع تأسيسه فإنه في حالة ما إذا لم يبادر نفس الشخص إلى طلب نشر خلاصة إصلاحية بالجريدة الرسمية لمتابعة مسطرة التحفيظ في إسمه حسب إختياره لهذه الوسيلة و كذلك في حالة ما إذا لم يبادر نفس الشخص إلى التعرض على مسطرة التحفيظ في الحالات التي أوضحناها سابقا و وقع تحفيظ العقار المعني و تأسيس رسم عقاري خاص به فإن ذلك الشخص سيفقد حقوقه على العقار و قد يفقد حتى حقوقه في رفع دعوى شخصية بالتعويض.
المبحث الثاني : تحديد ميدان التقييد الإحتياطي
    رأينا أن حماية الحقوق الناشئة قبل إنطلاق مسطرة التحفيظ أو تلك المكتسبة خلالها و التي لم تستكمل شروطها القانونية و تتوقف على إعتراف القضاء نظرا لوجود نزاع بشأنها إلى غير ذلك من الأمثلة تكون بطريقة قانونية عن طريق التعرض على مطلب التحفيظ من طرف الغير سواء فيما يتعلق بوجود أو مدى و نطاق حق ملكية طالب التحفيظ أو فيما يتعلق بحدود العقار المعني بالأمر  أو فيما يتعلق أيضا بممارسة حق عيني يمكن تضمينه بالرسم العقاري المزمع تأسيسه.
      في حين أن التقييد الإحتياطي لا يعمل سوى على حماية الحقوق غير قابلة للتقييد بالسجلات العقارية بحد ذاتها و المتعلقة بالعقارات المحفظة أي تلك الحقوق الناشئة بعد التحفيظ.
      حيث لا يمكن أن نتصور التقييد الإحتياطي إلا بالنسبة للحقوق المحتملة الناشئة بعد التحفيظ وحدها. إذ أن الحقوق المتولدة فبل التحفيظ أو خلال إجراء مسطرته و التي لم تكن موضوع تعرض على مطلب التحفيظ أو لم تشهر حسب إحدى الوسيلتين المذكورتين أعلاه بمعنى تلك الحقوق التي لم تظهر بأي حال من الأحوال وفي أي شكل من الأشكال خلال جريان مسطرة التحفيظ تصفى نهائيا بتأسيس الرسم العقاري عملا بمقتضيات الفصول 1 و 62 و 64 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07.
      وهذا  ما أيدته محكمة الإستئناف بالرباط في قرارها رقم 2625 بتاريخ 10 أكتوبر 1944 مقررة أنه " لا يمكن حماية حق نشأ قبل التحفيظ أو خلاله ولم تتم  الطالبة به خلال هذه المرحلة. وعلى قاضي المستعجلات أن يحمي المالك المقيد إسمه على الرسم العقاري من كل إدعاء حتى ولو قام صاحبه بالحصول على تقييد إحتياطي لفائدته"
      ومع ذلك و للتلطيف من حدة أثر التطهير الناتج عن قرار التحفيظ فقد جنح بعض  المحافظين إلى قبول التقييد الإحتياطي للدعاوى الرامية إلى إلزام المستفيد من التحفيظ بالإعتراف بحقوق سبق له أن نقلها إلى الغير خلال جريان مسطرة التحفيظ ولم يعمل هذا الغير على إشهارها آنذاك و إرغامه على تفويتها إليه من جديد و ذلك رغم أنها حقوق قد صفيت نهائيا بفعل التحفيظ و بفعل تأسيس رسم عقاري للملك المعني بالأمر يكون نهائيا غير قابل للطعن.
      إلا أنه إذا قبل المحافظون مثل هذا التقييد الإحتياطي فلأن موضوع الدعوى التي يرتكز عليها هو المطالبة بحق شخصي يمكن أن يتحول ولو بطريقة غير مباشرة  إلى حقوق قابلة للتقييد بالسجلات العقارية للعقارات المحفظة. و هذه الحقوق يمكن أن تكون موضوع تقييد إحتياطي كما سنرى.
      فالمطالبة بإلزام المستفيد من التحفيظ بالإعتراف بحقوق سبق أن نقلها إلى المدعي و بتفويتها له من جديد هي من قبيل المطالبة بالقيام بعمل يخول للمدعي حقا شخصيا. فإذا حكمت المحكمة وفق طلب المدعي و قام المستفيد من التحفيظ بتنفيذ ما أمرت به المحكمة فإن الحق الشخصي الذي كان للمدعي تجاه المستفيد من التحفيظ سيتحول بطريقة غير مباشرة عن طريق الإعتراف أو نقل الملكية من جديد إلى حق قابل للتقييد بالرسم العقاري المعني بالأمر لكن لا كحق وقع تطهيره و تصفيته نهائيا بفعل التحفيظ و إنما كحق جديد  ناتج عن إعتراف صدر بعد وقوع التحفيظ و متعلق إذن بعقار محفظ ولا علاقة له بالماضي القانوني لهذا العقار.
      هذا ولقد عثرنا على تطبيق خاطئ إطلاقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات قبل أن يقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 و المتعلق بالإيداع قصد التقييد بالرسم العقاري المزمع تأسيسه للملك المطلوب تحفيظه نورده و نعلق عليه حتى نتبين مدى خطورة النتائج التي قد تترتب عن الخطإ في التكييف القانوني.
       فلقد كان المحافظ على الأملاك العقارية بأكادير قد قبل تقييدا إحتياطيا بمطلب التحفيظ 298/س (سابقا) و ذلك بمقتضى الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري و سجله بتاريخ 16/12/1954 بسجل التعرضات ( جزء 3 عدد 1223) في شكل إيداع قصد التقييد بالرسم العقاري المزمع تأسيسه للملك المطلوب تحفيظه لمقال إفتتاحي للدعوى مؤرخ في 2 فبراير 1954 مرفوع لدى المحكمة الإقليمية بمراكش (سابقا) يطالب فيه المدعي بإبطال العقود التي تملك بها طالب التحفيظ بعض العقارات المطلوب تحفيضها و التي يستند إليها في مطلبه.
     يستفاد من هذه النازلة إذن أن المدعي كان ينازع في وجود حق ملكية طالب التحفيظ ما دام يطالب بإبطال عقود التمليك التي يستند إليها هذا الأخير و أنه عوض أن يلجأ المعني بالأمر إلى التعرض على مطلب التحفيظ نظرا لكون المنازعة في وجود حق ملكية طالب التحفيظ يمكن أن تكون موضوع تعرض فقد لجأ خطأ إلى إيداع مقالة الإقتتاحي في شكل تقييد إحتياطي معلق على شرط و ذلك طبقا لمقتضيات الفصل 84 المذكور.
    و بذلك يكون المدعي قد إرتكب خطأ جسيما و عرض حقوقه لخطر كبير يتجلى في أن التعرض يحول دون إتخاذ المحافظ على الأملاك العقارية لقراره بتحديد مصير العقار المطلوب تحفيظه بمعنى أنه يحول دون إتخاذ قرار التحفيظ أو رفض التحفيظ و يحتم على المحافظ على الأملاك العقارية إحالة ملف مطلب التحفيظ بجميع وثائق على المحكمة للنظر في التعرض و ذلك في حالة عدم قبول التعرض من لدن طالب التحفيظ أو عدم توصل هذا الأخير إلى الحصول على تنازل المتعرض عن تعرضه أو في حالة فشل محاولة التصالح التي يقوم بها المحافظ على الأملاك العقارية نفسه في إطار إختصاصاته و بالتالي فإن المسطرة تنتقل من المرحلة الإدارية إلى المرحلة القضائية.
     في حين أن إيداع المقال الإفتتاحي للدعوى طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري قصد تقييده إحتياطيا بالرسم العقاري المزمع تأسيسه للعقار المطلوب تحفيظه لا يحول أبدا دون إتخاذ المحافظ على الأملاك العقارية لقراره بتحديد مصير العقار المطلوب تحفيظه.
      ذلك أن الإيداع طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري لا يحمل في طياته مبدئيا أي شكل  من أشكال النزاع بل يتخذ برضى الأطراف ( طالب التحفيظ و المستفيد منه) وهو عبارة عن شكل من أشكال التقييد المعلق على شرط حيث يكون موضوع هذا الشرط هو تحفيظ العقار المعني بالأمر و تأسيس رسمه العقاري حتى أنه إذا  وقع تحفيظ العقار و تأسيس رسمه العقاري فإنه يقع تقييد الحقوق التي وقع إيداعها طبقا للفصل 84 المذكور و حسب ترتيب ورودها بسجل التعرضات.
      أما إذا ألغي مطلب التحفيظ أو رفض من طرف المحافظ على الأملاك العقارية و أصبح قرار هذا الأخير نهائيا فإنه يكون مصير تلك الحقوق بالتبع و بالضرورة هو الإلغاء أو الرفض. و لهذا فإن المحافظ على الأملاك العقارية لا يتخذ قراره بشأنها إلا حينما يحدد مصير العقار المطلوب تحفيظه.
      لنفرض أن المحافظ على الأملاك العقارية قام بتحفيظ العقار و تأسيس رسم عقاري له ثم قام بالتزامن مع ذلك بتدوين بيان التقييد الاحتياطي بناء على المقال و الذي سبق إيداعه طبقا لمقتضيات الفصل 84 المذكور في الرتبة التي كانت له و أنه بعد سنوات من ذلك تقدم المدعي بطلب تقييد أحكام صدرت لصالحه و إكتسبت قوة الشيء المقضي به حكمت بزورية العقود التي تملك بها المستفيد من التحفيظ بعضا من عقاراته و بالتالي إلغاء قرار التحفيظ و إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التحفيظ و كذا التشطيب على كل الحقوق و الأحداث و الإجراءات المقيدة و المدونة بعد التقييد الإحتياطي.
      فماذا كان سيحصل ؟
      بإختصار شديد  إن التحفيظ يطهر العقار بكيفية مطلقة لا رجعة فيها و يلغي العقود و الوثائق المعتمد عليها في المسطرة دون حاجة لأحكام مكتسبة لقوة الشيء المقضي به لكنه يمنح المستفيد منه وكذا من التقييدات المتزامنة مناعة مطلقة أيضا ولا تمس حقوقهم بأي حال و نتيجة لذلك ستظل الأحكام الصادرة في الموضوع حبرا على ورق من الأسف الشديد و لذلك بسبب خطإ جسيم و واضح و قائم أولا للمحامي الذي رفع الدعوى و لجأ إلى إيداعها بمطلب التحفيظ المعني طبقا لمقتضيات الفصل 84 المذكور و ثانيا للمحافظ على الأملاك العقارية الذي قبل تدوين تقييد إحتياطي في شكل إيداع طبقا لمقتضيات الفصل 84 المذكور و ثالثا بسبب خطإ للقاضي الذي فصل في النزاع دون أن يستلزم المرور بمسطرة التعرض على مطلب التحفيظ و يرفض الدعوى شكلا حيث إن المسطرة هي خاصة و يجب أن تنصب كل الإدعاءات المرتبطة بالعقار في طور التحفيظ في شكل تعرض.
      بالإظافة إلى ما سبق و على فرض إمكانية إيداع التقييد الإحياطي طبقا لمقتضيات الفصل 84 المذكور فإنه لا بد أن نتساءل عن كيفية التوفيق بين الآثار الفورية التي ينتجها التقييد الإحتياطي لحماية الحقوق التي تكون موضوعا له و بين كونه شكلا من أشكال التقييد المعلق على شرط في حالة إيداعه طبقا لمقتضيات الفصل 84 المذكور؟ وما الفائدة إذن من تقييد إحتياطي لا يكون بإمكانه أن ينتج آثاره لحماية الحقوق التي يتضمنها إلا إذا تحقق الشرط الذي علق عليه وهو تحفيظ العقار؟؟.
     من جهة أخرى فإن الإيداع طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري للمقال الإفتتاحي للدعوى قصد تقييده إحتياطيا بالرسم العقاري المزمع تأسيسه للملك المطلوب تحفيظه ينطوي على تناقص أساسي و خطير خاصة حينما يتخذ المحافظ على الأملاك العقارية قراره بتحفيظ العقار المعني بالأمر و يثبت بيان التقييد الإحتياطي الذي سبق إيداعه طبقا للفصل 84 المذكور بهذا الرسم العقاري مباشرة إثر تأسيسه.
      ذلك أن التقييد الإحتياطي كما عرفناه هو إجراء مؤقت و تحفظي و أنه لا ينتج أي أحتمال لا قانوني و لا فعلي ولو لمصلحة المنتفع منه في حين أن التقييد الملازم للتحفيظ و هو التقييد الذي ينتج عن الإيداع طبقا للفصل 84 المذكور إثر تأسيس الرسم العقاري يتمتع أيضا بآثار نهائية و يكون غير قابل للطعن شأنه في ذلك بشأن قرار التحفيظ بل هو جزء لا يتجزأ من هذا القرار و بالتالي فإنه لا يمكن تغييره أبدا إلا بالإتفاق المستفيد منه و بمحض إختياره وفي هذه الحالة فإننا سنقيم موازاة لا فقط بين التقييد الإحتياطي و التقييد كما رأينا ولكن بين التقييد الإحتياطي و قرار التحفيظ نفسه.
      فكيف سنوقف بين كون التقييد الإحتياطي إجراءا مؤقتا و تحفظيا و بين الآثار النهائية و عدم القابلية للطعن التي يمنحها القانون للتقييد المتزامن للتحفيظ إذا ما قبلنا فكرة إيداع التقييد الإحتياطي طبقا للفصل 84 المذكور كما في النازلة التي عثرنا عليها و وقع تحفيظ العقار لاحقا...؟
      ثم ماذا سيحدث على خلاف ما سبق لو أن المحكمة قضت برفض طلب الإبطال في لاهذه النازلة و تقديم المتضرر من التقييد الإحتياطي بأحكام مكتسبة لقوة الشيء المقضي به مطالبة بتشطيبه من الرسم العقاري؟؟
      إن طلبه هذا سيقابل بالرفض لا محالة و سيظل التقييد الإحتياطي قائما و إلى الأبد بالنظر للآثار النهائية و عدم القابلية للطعن التي يمنحها القانون للتقييد المتزامن للتحفيظ مع أنه من الواجب التشطيب عليه لو أنه كان قد أتخذ على رسم عقاري و ذلك نظرا لتحديد أثاره في الزمن كما سنرى و بذلك سنفرغ حجية الشيء المقضي به من مضمونها و مفعولها و فعاليتها و سنعمل على فقدان الثقة في التحفيظ و في العدالة على السواء.
      و إن التشطيب على التقييد الإحتياطي في هذه الحالة لن يكون إلا بتنازل المستفيد منه تنازلا إتفاقيا و رضائيا و هذا أمر يصعب الحصول عليه من جانب شخص خسر الدعوى و لو حصل على أحكام مكتسبة لقوة الشيء المقضي به لصالحه.
      على كل حال لقد كان هذا التطبيق خاطئا من أساسه و إنما تعمدنا الإتيان به و التعليق عليه رفعا لكل إلتباس.
      إلا أنه مع الأسف الشديد و بعد ستة و أربعين سنة تصدر المحكمة التجارية بالدار البيضار ممثلة في شخص نائب رئيسها أمرا تحت رقم 2029 بتاريخ 26 يونيه 2000 في الملف 129/19/99/6 يتعلق بإجراء تقييد إحتياطي بمطلب تحفيظ ضمانا لديون بنكية مع تحديد مدة التقييد الإحتياطي بصدور الحكم الفاصل في الدعوى و ذلك بناء على مقتضيات الفصلين 20 من قانون إحداث المحاكم التجارية و 148 من قانون المسطرة المدنية وهو الأمر الذي يشكل خروجا واضحا عن مقتضيات الصريحة للفصلين 85 و 86 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات سواء قبل أو بعدما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 كما يشكل تناقضا صريحا و صارخا معها بل و يشكل خرقا سافرا لها.
      و هذا ما دفع المحافظ على الأملاك العقارية إلى رفض تقييد الأمر المذكور مبررا قراره بوجود صعوبة قانونية.
      هذا ولقد كان بعض الفقه قد ذهب إلى أن الإيداع طبقا للفصل 84 هو بمثابة تقييد إحتياطي من نوع خاص قصد الحفاظ على الرتبة و مواجهة الغير. إلا أننا و رفعا لكل إلتباس قد يقع فيه البعض وكما رأينا سابقا نؤكد جازمين بأنه لا مجال إطلاقا لممارسة التقييد الإحتياطي على العقارات في طور التحفيظ و لا لإعتبار مسطرة الإيداع طبقا للفصل 84 الواقع توضيحها أعلاه كتقييد إحتياطي من نوع خاص على إعتبار أنه لما خول المشرع لصاحب الحقوق الناشئة أو المكتسبة أو المغيرة خلال المسطرة الخيار في أن يستعمل إحدى الوسيلتين المفصلتين أعلاه لإثبات الحقوق المذكورة قانونا و ماديا فإنه ( أي المشرع) لم يشترط لممارسة إحداهما وجود نزاع بين الطرفين المتعاقدين كما هو الشأن بالنسبة للتقييد الإحتياطي و إنما شرعهما لإعلان و إشهار حق كامل و حال و غير منازع بشأنه فيما بين المتعاقدين و يمارس إحداهما حسب إختياره و  مصلحته متحملا بذلك النتائج المختلفة التي يمكن أن تترتب على ذلك.
      أما الحقوق الناشئة قبل طلب التحفيظ أو خلال جريان مسطرة التحفيظ غير التامة أو غير الحالة أو المتنازع بشأنها فإن صيانتها و حمايتها تكون بطريقة قانونية عن طريق التعرض على مطلب التحفيظ على عكس تلك الحقوق المتولدة بعد التحفيظ فإن صيانتها و حمايتها تكون أيضا بطريقة قانونية صائبة و مضبوطة عن طريق التقييد الإحتياطي و الذي لا يمكن تصوره إلا بالنسبة للعقارات المحفظة بمعنى أنه لا يمكن إتخاذه سوى بالرسوم العقارية و أنه لا يمكن أبدا تصور إمكانية إيداعه بمطلب التحفيظ طبقا للفصل 84 المذكور و نظرا لكل ما سبق.
     هذا ولا يفوتنا في آخر هذا الفصل أن نذكر مرة أخرى بأن الحقوق المتعلقة بالعقارات المحفظة هي وحدها التي يمكن أن تكون موضوع تقييد إحتياطي و أن هذا التقييد الإحتياطي لا يمكن بأي حال أن يحمي حقوقا متعلقة بمطلب التحفيظ أو حقوقا ناشئة في طور التحفيظ و تكون منازعا فيها أو غير مستوفية لكل شروطها الجوهرية أو الشكلية التي تسمح لها بأن تكون موضوع إيداع طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 أو كذلك  موضوع خلاصة إصلاحية و أن حماية مثل هذه الحقوق لا يمكن أن تكون إلا بواسطة التعرض على مطلب التحفيظ.
    كما لا يفوتنا أن نذكر بأنه من غير الممكن قبول تقييد إحتياطي بناء على مقال لدعوى منصبة على عقار موضوع رسم عقاري أسس إثر التحفيظ و إستفاد بفعل هذا التحفيظ من خاصيات التطهير و النهائية و غير القابلة للطعن المنصوص عليها في الفصول 1 و 62 و 64 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 وما يترتب عن ذلك من آثار قانونية حيث لا مجال لتصور إمكانية قبول تقييد إحتياطي بناء على دعوى رامية إلى إستحقاق  عقار محفظ أو حق متعلق به طاله التطهير الناتج عن التحفيظ و أنه مما لا شك فيه أن تصفية العقار المحفظ من الحقوق غير المشهرة في حينها إبان جريان مسطرة التحفيظ يحول تماما دون قبول أي تقييد إحتياطي.   
   

المصدر : مدونة وكيل الأعمال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة